window.google_render_ad(); | ||
أحاديث الناس لا تخلو غالباً من الإشارة إلى الحظ، فالحظ عندهم يكاد يكون هو المسؤول عن ارتقاء من يرتقي وانخفاض من ينخفض، فلا إمكانات ولا قدرات ولا مواهب ولا عمل، ولا جدية ولا جلد، لا شيء، لا شيء سوى الحظ.
كذلك فإن الحظ يكاد يكون (الشماعة) التي يلقي عليها الخائبون أسباب خيباتهم، فكلما أفلتت من أيديهم فرصة أو ضاع عليهم مكسب، بادروا إلى تعزية أنفسهم بنسبة ذلك إلى حظهم (السيئ)، وأنه لولا الحظ السيئ لما وقع لهم ما وقع. ومن المسلم به أن (شماعة) الحظ هذه تريح أصحابها وتخفف عنهم الشعور بالذنب للتقصير أو عدم الاجتهاد في الطلب والعكوف على العمل، فالتذرع بالحظ وسيلة مريحة للذين يأبون أن يعترفوا بالتقاعس، أو يقروا لغيرهم بالتميز.
وفي الواقع، طالما في الأرض تمايز بين الناس، فذاك يكفي لأن يكون هناك (حظ)، إلا أن الحظ لا يكون إلا عندما يكون التمايز بين الناس تمايزاً مادياً بحتاً، فالناس يرون الحظ يتدخل ليجلب (لحلفائه) المال أو المنصب أو الزوج المميز أو الزوجة الجميلة أو غير ذلك من المزايا الحسية، أما ما كان غير حسي فنادراً ما يتدخل الحظ لجلبه، فمن النادر أن يتدخل الحظ ليجلب الحكمة أو العلم أو الموهبة إلى أحد، فالحظ لا يشمر عن ساعده إلا لكي يحمل المنصب الرفيع إلى من يحب، ويكدس المال الكثير في طريق من يختار.
لذلك من النادر أن نجد الناس يقولون عن الطبيب البارع أو المهندس الناجح أو الشاعر المبدع أو العالم أو المخترع أو من شابههم، أن الحظ خدمهم فجلب لهم التميز فيما يبرعون فيه، لكنهم يقولون ذلك لو أن أحداً منهم اعتلى منصباً أو حصل على ثروة أو قدمت له جائزة وما شابه ذلك.
ترى ما الذي يجعل الناس ينسبون إلى الحظ المكاسب المادية ولا ينسبون إليه المكاسب المعنوية؟
أهو إقرار منهم أن المكاسب المعنوية لا تتحقق لأصحابها إلا متى كانوا جديرين بها فعلاً، أم لأن المزايا المعنوية لا تستثير حسد أحد ولا غبطته ؟
تضاء صفحتى بمروركم و تتعطر بنزف اقلامكم
تقبلوا منى التحيه و التقدير